BLOGGER TEMPLATES AND MyYearBook Layouts »

Kamis, 02 Juni 2011

التقابلية للدارس أجنبى

أ‌.        المفهوم والمصطلح

يقصـد بالتقابل اللغوي، أو التحليل التقابلي إجراء دراسة يقارن فيها الباحث بين لغتين أو أكثر، مبيناً عناصر التماثل والتشابه والاختلاف بين اللغات، بهدف التنبؤ بالصعوبات التي يتوقع أن يواجهها الدارسون عند تعلمهم لغة أجنبية. وهذا بالتالي يساعد في عدة أمور ؛ منها : تأليف الكتب والمواد التعليمية المناسبة، وإعداد الاختبارات اللغوية المناسبة أيضاً. وغير ذلك من المجالات العملية التعليمية.
ويُعتبر هذا الاتجاه في الدراسات اللغوية امتداداً للحركة الرائدة التي قادها روبرت لادو عندما أصدر كتابه "Linguistics Across Cultures"، وفيه يقدم منهجاً للدراسات التقابلية بين لغتين، مبيناً كيفية الاستفادة منها في تعليم إحداها(4). كان هذا في الخمسينات من هذا القرن. وكان يمثل شكلاً عملياً من أشكال الاستفادة من نتائج اللغويات في تعليم اللغات.
ولقد أبرز لادو فائدة الدراسات التقابلية في قوله : إن التجارب العملية أثبتت أن المواد الدراسية التي تم إعدادها على أساس من المقارنة الهادفة بين اللغة الأم واللغة الهدف أدت إلى نتائج إيجابية وفعَّالة في تسهيل تناول اللغة الهدف، وفي أقصر مدة ممكنة. ومن الممكن إجراء الدراسات التقابلية على عدة مستويات ؛ منها المستوى الصوتي، والمستوى النحوي، والمستوى التركيبي، والمستوى الصرفي، والمستوى الدلالي، والمستوى الثقافي.
ويسمى هذا النوع من التحليل بالتحليل القبلي Pre-analysis، إذ يقدم تصوراًافتراضياً للصعوبات التي يحتمل أن تواجه الطلاب عند تعلم اللغة. وتتم هذه الدراسات بالمقابلة بين لغتين أو أكثر، سواء أكانت تنتمي لأسرة لغوية واحدة أو لأسر لغوية مختلفة. وتنطلق معظم هذه الدراسات من تصور مؤداه أنه كلما تقارب النظام اللغوي بين لغتين كلما كانت الصعوبات أقل حدة.
ولقد سبقت الجامعات الأجنبية زميلاتها العربية في هذا الأمر. إذ أجريت فيها دراسات تقابلية كثيرة لبيان العلاقة بين اللغة العربية واللغات الأخرى، وذلك لسبب رئيس مؤداه أن الجامعات الأجنبية قد سبقت الجامعات العربية في إنشاء أقسام للغة العربية، ينتظم فيها طلاب غير عرب، مما استلزم إجراء دراسات تقابلية يسهم الباحثون فيها في تسهيل تعليم العربية في هذه البلاد الأجنبية.
وتشتمل دورية "مستخلصات البحوث العالمية" Dissertation AbstractInternational على أبحاث تجل عن الحصر حول التقابل اللغوي بين العربية واللغات الأخرى. ولا يهمنا منها سوى ما انطلق أصحابه فيها من تصور تربوي وليس من تصور لغوي بحت.
من هذه الدراسات دراسة نجيب جريس التي قدمها لجامعة مينسوتا لنيل درجة الدكتوراه سنة 1963. وفيها يجري الباحث دراسة تقابلية بين لهجة المثقفين من أبناء القاهرة وبين اللغة الإنجليزية مقدماً بعض التضمينات التعليمية(5).
أما على المستوى العربي، فقد أجريت بعض الدراسات التقابلية أيضاً. فعلى سبيل المثال لا الحصر أجرى دكتور شيخو أحمد سعيد غلاديت دراسة تقابلية مبسطة بين العربية واللغات القومية في نيجيريا مبيناً تأثير العربية في هذه اللغات سواء من حيث الأصوات أو المفردات أو التراكيب(6).
كما أجـرى الدكتور عبدالله عباس الندوي دراســة تقابلية بين العربية والأردية علـى المستويات الثلاثـــة، الصوتي، واللفظي والنحوي، مبيناً أيضاً تأثير العربية في الأردية(7).
وقام الدكتور مصطفى حجازي بدراسة تقابلية بين العربية والهوسا على المستوى الصوتي والصرفي والنحوي(8)، بينما يجري الدكتور محمد عبد القادر أحمد ثلاث دراسات تقابلية مبسطة بين العربية وثلاث لغات أخرى، وهي التغالغ "لغة الفلبين"(9)، والبشتو "لغة أفغانستان"(10)، والسوسو لغة غينيا(11).
وقد أجريت دراسات تقابلية متعددة على مختلف المستويات، صوتي ولفظي ونحوي وصرفي بين العربية والإنجليزية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة. إلا أن منطلقها كان لغوياً بحتاً مما لا يمت بصلة كبيرة للدراسة الحالية. هــذا الاتجــاه في الدراسـات التقابلية هو امتداد للحركة الرائدة التي قادها روبرت لادو كما سبق القول.
كان هذا في الخمسينات من هذا القرن وكان يمثل شكلاً عملياً من أشكال الاستفادة بنتائج اللغويات Linguistics في تعليم اللغات (Languageteaching). وللدراسات التقابلية فائدة بلا شك، إذ تساعد في التنبؤ بالصعوبات التي يحتمل أن يواجهها. ولقد وجه لهذا الاتجاه الذي يعتمد على الدراسات التقابلية عدد من الانتقادات التي كشفتها الدراسات التالية في أواخر الستينات وأوائل السبعينات من هذا القرن.

ب‌.  نقد التقابل اللغوي

يمكـن بالـطبع أن نتنـبأ بالصعـوبات التـي يمـكن أن تـواجه الـدارس عـند تعلـمه لغـة ثانية أو أجنبية، وذلك بإجراء دراسة تقابلية بين اللغة الجديدة (العربية هنا) وبين اللغة الأم، إلا أن هذا المدخل لا يفيد كثيراً في تحديد الصعوبات لأسباب منها :
1. صعوبة هذا الإجراء، إذ من الصعب الحصر الشامل لكل أشكال العلاقة بين لغتين بما يجعلنا لا نطمئن إلى الفروق التي تكشف عنها هذه الدراسة. ولنتصور باحثاً يريد أن يقابل بين العربية والإنجليزية بشكل عام، ترى ماذا عليه من مهام ؟ مما لا ريب فيه أنه سيعجز عن إجراء التقابل بين اللغتين في مختلف المجالات (أصوات، مفردات، تراكيب). ومن هنا لابد أن يختار إحداها.
ولنتصوره قد اختار مجال التراكيب، ترى كيف يحصر بدقة كل أشكال التراكيب في العربية، ليقارنها بكل أشكال التراكيب في الإنجليزية ؟. من هنا يشك البعض في جدوى الدراسات التقابلية لعجزها عن استيفاء كل جوانب المقارنة، ومن ثم لا نستطيع الجزم بأن أوجه الفرق التي تكشف عنها دراسة تقابلية معينة تمثل الصعوبات الدقيقة التي يحتمل أن تواجه الدارس للعربية.
2. إن الدراسة التقابلية تبنى على افتراض مؤداه أن ما تلتقي عنده لغتان لا يمثل صعوبة عند الدارس لإحداها، وما تختلف فيه هاتان اللغتان سوف يمثل صعوبة عند الدارس. وهذا افتراض قد يصدق مرة وقد لا يصدق أخرى. فقد تتوافر للدارس من العوامل ما يجعله يتخطى هذه الصعوبة، ومن ثم لا يواجهها. والخطورة في مثل هذه الدراسة التنبؤية أنها قد تفرض علينا متطلبات معينة عند إعداد المواد التعليمية ثم نواجه بغير ما افترضناه.
3. إن محاولة وضع اختبارات لتحديد الصعوبات التي يواجهها الدارسون في تعليم لغة أجنبية، في ضوء أسلوب التحليل التقابلي، يعني ضرورة وضع اختبار للناطقين بكل لغة على حدة. كأن نضع اختباراً للناطقين بالإنجليزية عن تعلمهم العربية، واختباراً آخر للناطقين بالفرنسية عن تعلمهم العربية وهكذا. وذلك أن الصعوبات التي تكشف عنها الدراسات التقابلية تختلف من لغة إلى أخرى. وهذا بالطبع أمر غير منطقي ولا مقبول، بل مستحيل التنفيذ.

ج. الاختبارات اللغوية

في مقابل الاتجاه الذي يدعو إلى الدراسات التقابلية للكشف عن صعوبات تعلم اللغة الأجنبية، يتبنى فريق آخر من الباحثين اتجاهاً آخر، يدعو إلى الاستعانة بالاختبارات اللغوية كوسيلة للكشف عن الصعوبات التي يواجهها الدارسون. ومنطلق كل من الاتجاهين مختلف، فإذا كان الاتجاه الأول يبنى على أساس فرضية مؤداها أن الصعوبات التي تواجه الدارسين عند تعلم لغة أجنبية إنما يعزى للتداخل اللغوي بين لغته الأولى واللغة الأجنبية. في الوقت الذي ينطلق الاتجاه الثاني من فرضية مؤداها أن الاختبار أفضل وسيلة للكشف عن الصعوبات الفعلية التي تواجه الدارسين، وذلك بالطبع في ضوء اختبار يشتمل على وحدات لغوية محددة وظواهر لغوية معينة تقصد على وجه التحديد الكشف عن صعوبات بذاتها.
فمن الممكن الكشف عن صعوبات فهم اللغة الأجنبية عند سماعها عن طريق اختبار لفهم المسموع Listening comprehension test، ومن الممكن الكشف عن صعوبات الاتصال بالرموز المكتوبة في اللغة الأجنبية عن طريق اختبار لفهم المقروء Reading Comprehension، وهكذا في مختلف المهارات اللغوية، إلا أن هذا الاتجاه أيضاً لم يسلم من النقد. وفيما يلي أهم ما يوجه إليه من انتقادات : قد تستعمل الاختبارات اللغوية لتحديد الصعوبات التي يواجهها الدارسون الأجانب عند تعلم العربية، إلا أن مثل هذه الاختبارات تتعرض لنقد كبير. فقد تكلف الدارس بإعادة صياغة جملة ما أو الإجابة عن سؤال معين أو اتباع تعليمات محددة ثم يخفق الاختبار في تحقيق هدفه، وذلك لسبب من الأسباب، كأن تحتوي الجملة التي وردت في الاختبار على مشكلة لا تواجه الدارس، أو صعوبة لا يحس بها. وذلك بالطبع يكثف من الفجوة بين ما يتخيله واضع الاختبار من صعوبة، وبين الصعوبة الفعلية عند الدارس. وقد تحتوي الجملة التي وردت في الاختبار على كلمة لا يعرفها الدارس أو يستحيل عليه التنبؤ بمعناها من السياق ومن ثم يعجز عن إكمال المطلوب، وقد تشتمل الجملة على معلومات غامضة، أو تقيس معرفة الدارس، ويضاف إلى هذا أن الاختبارات اللغوية عادة تقيس معرفة الطالب لبعض العناصر اللغوية في اللغة الجديدة إلا أنها لا تزعم القدرة على قياس مدى تمكن هذا الطالب من اللغة ككل. إنها لا تقيس قدرته على معرفة العلاقة بين اللغتين Inter language.
وكما يقول كوردر فإن الاختبارات تشتمل عادة على عدد من الأسئلة التي تختبر  قدرة الدارس على كتابة إجابة محددة على سؤال محدد، ولكنها لا تقيس قدرته على الإنتاج التلقائي Spontaneous لهذه الإجابة في ضوء معرفته باللغة الأجنبية. ولقد يحدث أحياناً أن يرفض الدارس كل البدائل المطروحة كإجابات لسؤال معين، لأنها لا تتفق مع تصور الدارس لما ينبغي أن تكون عليه في ضوء معرفته باللغة الأجنبية(12).

0 komentar: